عنف مرحلة ما بعد "الاندفاع": امتداداته وطبيعته

بجانب تسجيل وفيات المدنيين الناجمة عن العنف منذ الغزو على العراق عام 2003، يقوم المشروع بفهرسة مجموعة من المتغيرات القابلة للتحليل فيما يتعلق بتفاصيل عن الضحايا ومكونات أحداث العنف.

ويشكل هذا التحليل تحديثاً مبكراً للبيانات الخاصة بعام 2008، أو عام مرحلة "الاندفاع"، ويمكن أن يخبرنا عن أعقد ملامح العنف في العراق الذي تحتله الولايات المتحدة.

ملاحظة: تتغير الرسوم البيانية وبعض البيانات الإحصائية على هذه الصفحة بشكل متواصل حالما تتم معالجة بيانات جديدة. كما تعتمد الرسوم البيانية والحسابات المقارنة على الحد الأقصى من نطاق المشروع. وللحصول على المزيد من المعلومات انظر إلى حاشية 1.

ماذا تخبرنا البيانات التفصيلية حول حصيلة عدد القتلى المدنيين خلال عام 2008 وتأثير "الاندفاع" على المدى الطويل

نشرت لأول مرة 28 ديسمبر/كانون الأول 2008

مقدمة

ينظر هذا التحليل إلى الاتجاهات لكنه عندما يتم تحليل العنف الذي يعايشه المدنيون في الصراع المستمر في العراق لابد من التمييز بين الأفكار التجريدية، التي تتمثل في معدلات عنف متفاوتة، وبين حقيقة ذلك العنف بالنسبة لأولئك الذين يعايشونه. ويمكن إرجاع كل إحصائية مدونة على هذه الصفحة إلى وفاة ناجمة عن عمل عنف، ولا يمكن اعتبارأي من هؤلاء أقل أهمية من الآخر لكونهم قُتلوا في فترة تظهر فيها معدلات العنف اتجاهاً نزولياً.

ومع الأيام المتبقية سنة 2008، فقد شهدت هذه السنة ما بين 8,315 و9,028 وفاة أُضيفت على قاعدة بيانات المشروع. 1 ويُقارن هذا العدد ب25,774–27,599 وفاة التي تم توثيقها عام 2006 وب22,671–24,295 وفاة لعام 2007. وإنه انخفاض حقيقي بالمقارنة إلى السنتين الماضيتين: وبحسب المعدلات اليومية فإنه يشكل انخفاضاً من 81 وفاة كل يوم (2006) إلى 72 وفاة كل يوم (2007) و28 وفاة كل يوم (2008).

1 يشمل هذا الرقمُ الإحصاءَ الأولي لـ 381 وفاة من بين 01 إلى 21 ديسمبر/كانون الأول. ليست أرقام المشروع مجرد تقديرات وإنما هي مبنية أساساً على أرقام كاملة للوفيات الموثقة، مدعومة بقاعدة بيانات متوفرة على الإنترنت تتضمن تفاصيل كل حادث على حدا، وتفاصيل كل ضحية ما أمكن ذلك. كما يوضع نطاقٌ يؤخذ فيه بعين الاعتبار ما يمكن أن يتبقى من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت الحالة مدنية أم لا، بالإضافة إلى الحصيلة النهائية للقتلى في الحوادث الكبيرة، والاحتمال الممكن لتكرار عد بعض القتلى.

2 وتبين هذه الأرقام أن بغداد لا تزال تعاني بشكل أكبر من المناطق الأخرى نسبياً، فالعاصمة التي تحتوي على أقل من ربع سكان العراق لا تزال تسجل ما يقارب ثلث إجمالي الوفيات الناتجة عن العنف التي تقع في صفوف المدنيين في العراق.


مدنيين قتلوا في بغداد

مدنيون قتلوا خارج بغداد
  • المرحلة ما قبل الاندفاع
  • المرحلة ما بعد الاندفاع

ولوحظ انخفاض أعمال العنف الأكبر في مدينة بغداد. وللمرة الأولى منذ احتلال العراق الذي قادته الولايات المتحدة، شهدت العاصمة عدد وفيات يقل عن بقية أنحاء البلاد (من 54 % من مجموع الوفيات في 2006-2007 إلى 32 % في 2008) 2 . ويعزى معظم هذا الانخفاض في عدد الوفيات إلى تراجع مستوى العنف الطائفي.

مع أن هذا التحسن مهم ومرحب به إلا أنه يمكن النظر إليه كنجاح فقط عند مقارنته بظروف أسوأ بكثير كانت سائدة في الفترة 2006-2007. وحتى ضمن هذا الإطار الزمني، شهدت مناطق خارج بغداد انخفاضات أقل حدة في العنف، ولا يزال يلقى العشرات من المدنيين حتفهم بشكل يومي وقاسٍ في أعمال العنف المرتبطة بالنزاع في جميع أنحاء العراق. ومعدل 25 وفاة ناتجة عن العنف في اليوم الواحد بين المدنيين عام 2008 يتساوى مع تلك الأرقام التي كانت موجودة على مدى الـ20 شهراً الأولى من غزو العراق، في الفترة من مايو/أيار 2003 إلى ديسمبر/كانون الأول 2004 ( 15355 حالة وفاة على مدى 610 يوماً).

المشكلة الملحة

لماذا لا يزال المدنيون يُقتلون بهذه الأعداد الكبيرة؟ هل هناك جانب واقعي للأمل في انخفاض مستوى انعدام الأمن المدني والعنف المرتبط بالنزاع إلى مستوى ما يقارب الصفر؟ أم أن هناك حدود للتحسن الذي يمكن أن تحققه السياسات الحالية؟

يمكن الحصول على أجوبة محتملة على هذه الأسئلة من خلال تحليل منهجي للبيانات المفصلة عن مقتل المدنيين، أي تحديداً من خلال طرح الأسئلة التالية:

  • من يقوم بقتلهم؟
  • كيف يتم قتلهم؟
  • من هم الذين يُقتلون؟
  • كيف يمكن مقارنة الأنماط الحالية بفترات سابقة؟

ورغم أن إعطاء إجابات قاطعة على هذه الأسئلة في ظل الظروف الحالية غير ممكن، إلا أن تفحص هذه البيانات لا يثير أي شك بأن هذا القدر من العنف المستمر في العراق تعود أسبابه باستمرار وجود قوات التحالف العسكري في البلاد. إن الشيء الأكثر وضوحاً في هذا الشأن هو الوفيات التي تتسبب فيها مباشرة قوات التحالف، وبأعداد أكبر لكن بنفس الصعوبة في الحل، تلك الوفيات التي تعزى إلى القوات المناهضة للاحتلال.

لا يزال العنف المرتبط بالاحتلال ومقاومة الاحتلال سبباً لمقتل المدنيين.

في نحو ثلاثة أرباع عمليات القتل المسجلة في صفوف المدنيين في العراق منذ يناير/كانون الثاني 2006 لا يمكن تحديد هوية مرتكبيها بشكل واضح. وهذا ينطبق تماماً على معظم حالات الجثث التي عُثر عليها بعد تنفيذ الإعدام بأصحابها، أو الهجمات التي يبدو أنها أهداف مدنية بحتة، وعلى سبيل المثال: تفجير السيارات المفخخة في الأسواق وأمام المساجد. ومع أنه يمكن استخلاص استدلالات عن الجناة من الظروف المحيطة ببعض من هذه الحوادث، إلا أن هذه الحوادث يتم إدراجها في قاعدة بيانات المشروع على أن مرتكبيها عملاء مجهولو الهوية. 3

إن معظم ما يمكن ملاحظته بشكل مستمر هو عمليات قتل المدنيين التي تسببت فيها قوات التحالف العسكري أو أولئك الذين يستخدمون العنف في مناهضتها ( 18 ٪ من مجموع الوفيات في أعوام 2006-2008). 3 4 وعلى الرغم من أن الوفيات الناجمة عن عملاء مجهولي الهوية قد هوت بنسبة 85 ٪ من عام الاندفاع 2006، إلا أن إجمالي عدد القتلى المدنيين في هاتين الفئتين بقي ثابتاً نسبياً طوال السنوات الثلاث الماضية: 4,062 في عام 2006، و 4,919 في عام 2007، و 2,773 في عام 2008 (بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني).

3 عملاء مجهولو الهوية: تم تعريف هذا المصطلح من قبل المشروع على النحو التالي: أولئك الذين يبدو أنهم يهاجمون أهداف مدنية ليس لديها علاقة واضحة أو لا لبس فيها بالوجود العسكري الأجنبي في العراق. وقد يشمل هذا المصطلح بعض المجموعات الأخرى كمجرمي القتل الجنائي. القوات المناهضة للاحتلال: يعرفها المشروع كالآتي: هم هؤلاء الذين يستهدفون القوات التي تقودها الولايات المتحدة والذين يستهدفون الشرطة العادية وقوات الأمن الأخرى أو العاملين في التجهيز والدعم لدى القوات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. للتعرف على أصناف أخرى انظرْ ملف المشروع لعام 2005 (قاموس المصطلحات: ص. 26).

4 مصطلح " عملاء مجهولو الهوية " قد يشمل كل من قوات التحالف وعلى الأغلب القوات المناهضة للاحتلال في معظم الأحيان. وإلى الدرجة التي يكون فيها ذلك صحيحاً يتم تعزيز نقاط التحليل الحالي. ولقراءة المزيد من المناقشة عن العملاء مجهولي الهوية انظرْ إلى حقائق عن القتلة نشرة رقم 1، ملف المشروع لعام 2005 (ص. 10-11).


مقتل المدنيين بمشاركة قوات التحالف

مقتل المدنيين بمشاركة قوات مناهضة للاحتلال
  • المرحلة ما قبل الاندفاع
  • المرحلة ما بعد الاندفاع

لأن المشروع لا يسجل حوادث القتل التي ينخرط فيها مقاتلون فقط (وعلى سبيل المثال: الحوادث التي يقتل فيها عناصر من قوات التحالف أو القوات المناهضة لها فقط، دون مقتل مدنيين) فإن قاعدة البيانات ليست قائمة مكتملة للحوادث المرتبطة بالصراع ككل. ولكن بالحوادث المرتبطة بشكل مباشر بالصراع مثل القنابل المزروعة على جوانب الطرق (استُخدمت لوقت طويل في استهداف القوافل العسكرية وتلك التابعة للحكومة العراقية) بالإضافة إلى الضربات الجوية التي ينتج عنها عادة ضحايا بين السكان المدنيين.


القتلى بين المدنيين من الهجمات الجوية

القتلى بين المدنيين من قنابل مزروعة على الطريق
  • المرحلة ما قبل الاندفاع
  • المرحلة ما بعد الاندفاع

مع أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت وسائل متنوعة في إستراتيجية الاندفاع، 5 إلا أن القوة العسكرية ظلت رئيسية مع نتيجة متوقعة لسقوط خسائر جديدة بين المدنيين. أما الهجمات الجوية – الوسيلة الأكثر استخداماً من قبل القوات الأمريكية والتي تتسبب في قتل مدنيين- فقد استمرت بانتظام خلال فترة الاندفاع متسببة في مقتل 252 مدنياً في عام 2006 (أي: عام الاندفاع)، 943 في عام 2007 و365 في عام 2008 (بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني).

5 كما يمكن القول أن اتخاذ مجموعة من التكتيكات اللاعنفية، والهدن وتوثيق التعاون مع العراقيين، أيضاً يُعتبر شيئاً مهماً إن لم يكن أكثر من ذلك. ولمناقشة هذا الموضوع انظرْ إلى مقالة " اندفاعٌ مختلف " (بول روجرز، أبريل/نيسان 2008)

وعند النظر إلى المنحني البياني لاتجاه مقتل المدنيين في انفجار القنابل المزروعة على جوانب الطرق والتي نادراً ما تستهدف المدنيين بشكل مباشر (باستثناء الشرطة العراقية، التي يضمنها المشروع في إحصاءاته - انظر القسم التالي أدناه)، فإننا نرى أن ظاهرة الاستهداف العسكري بالكاد قد تغيرت قليلاً من ناحية الكثافة منذ عام 2006، على الأقل فيما يتعلق بمدى فتكها بالمدنيين- متسببة في قتل 1423 في عام 2006، 1174 في عام 2007 ، و1106 في عام 2008 (قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني).

ما زالوا في خط النار: عمّال الأمن العراقيين

يتميز النزاع في العراق في مرحلة ما بعد الغزو بميزة أخرى وتُلاحظ باستمرار، إن الهجمات على شرطة البلاد، التي شكلت نسبياً هدفاً "سهلاً" مرتبطاً بالاحتلال، وذلك بالمقارنة مع القوات الأجنبية المسلحة تسليحاً جيداً والمتمتعة بحماية أقوى. فلا تزال الشرطة الهدف المفضل، على الرغم من أن الخسائر في صفوفها أقل بكثير مما كانت عليه في ذروة معدلات القتل أواخر 2006 وأوائل عام 2007. وخلال عام 2006 بأكمله تمت الإفادة بمقتل 1891 من رجال الشرطة، و 2065 في عام 2007، و 928 في عام 2008 (قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني). 6

6 تشمل إحصاءات المشروع مقتل رجال وحدات الشرطة العادية ولكن ليست القوات شبه العسكرية أو وحدات الشرطة "الوطنية". انظرْ مناهج المشروع 3.3 حول المزيد من المعلومات ذات صلة.


وفيات الشرطة كنسبة من جميع الوفيات بين المدنيين
  • المرحلة ما قبل الاندفاع
  • المرحلة ما بعد الاندفاع

في الماضي كان رجال الشرطة مستهدفين، أما الآن فقد أصبح أعضاء مجلس الصحوة يتعرضون إلى هجمات متزايدة. ويبدو أن الضحايا قد تحولوا ولو جزئياً، من أولئك المسؤولين عن الأمن المدني المحلي إلى مَن تولى نفس المسؤولية أساساً: من أكتوبر/تشرين الأول 2007 إلى نهاية 2008، قُتل 549 عضواً من الصحوة، مقارنة إلى 1287 رجلاً من قوات الشرطة العادية.


مقتل أعضاء الصحوة بالإضافة إلى وفيات رجال الشرطة
  • المرحلة ما قبل الاندفاع
  • المرحلة ما بعد الاندفاع

في الختام

الوفيات هي حقائق تاريخية ثابتة التي لا يمكن إلا أن يتراكم عددها. وما دام العنف المميت المرتبط بالنزاع قائماً في العراق، فإن المزيد من الأرواح والعائلات سوف تضاف إلى حصيلة الضحايا. وبالتالي، أصبحت العبارة "ضحايا أقل مما في عام 2007" هي فكرة تجريدية يفرضها قياس معين: الحقيقة الصارخة هي أن 9000 مدني عراقي آخر تمت تصفيتهم بالعنف منذ نهاية عام 2007، معظمهم رحلوا مجهولين وبالقليل من الاعتراف من قبل المجتمع. 7

7 إن الحد الأدنى من الاعتراف وتكريم القتلى هو تسجيل عددهم، مكان الوفاة وزمانها (الأمر الأفضل بكثير من عدم تسجيل التفاصيل على الإطلاق). غير أنهم أفراد يُقتلون ويُنعون، لذلك يبذل المشروع أقصى الجهود الممكنة حالياً لتوثيق كافة التفاصيل الشخصية والظرفية المتوفرة لكل قتيل. انظرْ إلى منطق المشروع 1.3 وقسم الأفراد التابع لقاعدة بيانات المشروع.

وفيات المدنيين حسب المرتكب، لكل عام   [ show Cumulative graph ]
  • قوات التحالف
  • القوات المناهضة للاحتلال
  • الآخرون وعملاء مجهولو الهوية

إن تحسين البيئة الأمنية الكئيبة في العراق هو مهم، ويبعث على أمل جديد لأولئك الذين أصبحت ظروفهم أكثر أماناً. ومع ذلك فإن المشروع يركز ويعطي الأهمية على الضحايا الذين يُضافون على سجل القتلى يومياً.

وبالرغم من الأدلة المشيرة إلى تحسن واضح في الوضع الأمني خلال معظم العام الماضي، ويعزى بعض أسباب ذلك التحسن إلى تغيرات على نطاق واسع في سياسات الولايات المتحدة وأعمالها خاصة، إلا أن المشاكل الأمنية المتبقية قد تشير إلى حدود ما يمكن ينجزه الاحتلال العسكري خلال فترة وجوده.

وقد يعرّض الانسحاب العسكري الأمريكي دولة العراقَ إلى الخطر، لكن انسحاباً منظماً هو ما طالب به غالبية العراقيين في استطلاع بعد استطلاع لآرائهم منذ الغزو. وما لا شك فيه أن عراقاً محتلاً محفوفاً بالأخطار بالنسبة للمدنيين، الأخطار التي لا تغيب كلها إلا بعد انتهاء الاحتلال.