بعد ثلاثة سنوات كان معدل مقتل المدنيين في كل منها في العراق يتراوح بين 4000 إلى 4500، شهد عام 2013 إرتفاع هذه المعدلات إلى أكثر من الضعفين حيث وصل إلى 9472.

ليلي هامورتزيادو من مشروع ضحايا حرب العراق كتبت ملاحظة حول هذا التغير وبعض الأسباب الكامنة وراءه وما الذي يمكن أن تعنيه بالنسبة لمستقبل العراق.

خدنق من الأخطاء: العراق 2013

نظرة عامة على العنف ضد المدنيين في هذا العام

نشر لأول مرة في   1 كانون الثاني/يناير 2014 

خطوط الخطأ

خطوط الخطأ كانت موجودة في العراق قبل 2003. فقد كانت الدولة ضعيفة اقتصاديا بعد سنوات من الحرب والعقوبات الاقتصادية، وكانت ضعيفة سياسيا يحكمها دكتاتور لا يحظى بشعبية لا داخليا ولا خارجيا، وكانت ضعيفة اجتماعيا ومنقسمة بوضوح بين السنة والشيعة والأكراد.

لكن خطوط الخطأ هذه توسعت كثيرا حتى وصلت إلى حجم الخنادق، وقد ساهم في ذلك العديد من العوامل، كان أولها الهجوم غير المبرر التي شنته إحدى أقوى دول العالم عام 2003. تبعته سنوات من الاحتلال والتمرد والإرهاب وتنافس المصالح بشكل متزايد. على الصعيد الداخلي كانت مصالح السنة والشيعة والأكراد وكذلك مصالح المتعصبين الدينيين والعلمانيين وغير المسلمين، أما على الصعيد الخارجي فقد كانت مصالح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران وسوريا، وكل من هؤلاء يريد توسيع مجال نفوذه السياسي والإيديولوجي بأي ثمن. أدت هذه المصالح المتنافسة إلى الانهيار الداخلي للمجتمع العراقي وبقيت إرثا حزينا للاحتلال.

الصراع على السلطة

تتكون السلطة الوطنية من عوامع كمية وعوامل نوعية: الجغرافيا، الموارد، القوة الصناعية والقدرات العسكرية، وكذلك الهوية الوطنية والروح المعنوية الوطنية بالإضافة إلى نوعية الحكومة. وفيما يتعلق بجميع هذه العوامل فقد تم تجريد العراق من أية قوة كانت لديه. فالموارد التي كان محظوظا بامتلاكها نظرا لموقعه الجغرافي، فقد استغلها الآخرون، بينما يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر. أما جيشه فقد تم تفكيكه من قبل قوات الاحتلال ولايزال يكافح من أجل إعادة تنظيم صفوفه ومكافحة العنف اليومي. لقد خسر العراق ما كان لديه من الهوية الوطنية والروح المعنوية الوطنية في بحر من الخيانات والتعاملات و الهجمات والاتهامات المتبادلة، بينما تم انتخاب حكومته مرتين تحت الاحتلال ما أدى إلى تمرد الناس وانعدام الثقة فيما بينهم.

العراق الآن دولة مجزأة، حيث يصارع كل طرف فيه لكسب السطة، على حساب الأطراف الأخرى التي لديها متطلبات أمنية متعارضة، ما يعني أن أمن كل طرف لا يمكن تحقيقه في نفس الوقت مع أمن خصومه أو أعدائه. وبالتالي تسعى هذه الأطراف إلى تحقيق مكاسب نسبية حيث تكون مكاسبهم الخصابة خسائر بالنسبة إلى أطراف أخرى، بدلا من تحقيق مكاسب مطلقة تتطلب التعاون بين الجميع. ففي دولة ضعيفة ومجزأة كالعراق، ترى كافة الأطراف الصراع على السلطة وعلى استحواذها وسيلة لبقائها.

العراق 2013

بدأ العام بالاحتجاجات والاستياء المتزايد. طالب السنة خلالها بالأصلاح، في حين تخلت حكومة المالكي عن أية جهود تجعلها ممثلة لكافة الطوائف، من خلال استهداف السياسيين السنة واعتقال البعض أو التحققيق معهم أو إجبارهم على مغادرة البلاد. تحولت الاحتجاجات بعد 23 نيسان/أبريل إلى العنف وهاجمت القوات الأمنية العراقية المحتجين وقتلت 49 منهم. وقد نتج عن عمليات الثأر المتبادلة ارتفاع عدد الضحايا المدنيين إلى ثلاثة أضعاف في الشهور الستة التالية. ففي حين قتل 1900 مدني بين تشرين الأول/أكتوبر 2012 وآذار/مارس 2013، قتل 6300 مدني بين نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر 2013.

إجمالا، توفي تقريبا 9500 مدني جراء العنف الدائر في العراق في هذه السنة، هذا الرقم يساوي تقريبا رقم عام 2008، حيث قتل 10000 شخص آنذاك. ولكن الفارق أن رقم عام 2008 كان يمثل انخفاضا في مستوى عدد الوفيات الناتج عن العنف (الذي نزل من 25800)، بينما يمثل رقم هذه السنة تزايدا في العنف، فقد تضاعف عدد القتلى المدنيين بالمقارنة مع العام الماضي الذي سجل مقتل 4500 مدني.

وجدت القاعدة في العراق أرضا خصبة في ظل كل هذا السخط من قبل السنة، وهاجمت هذا العام كل من الحكومة العراقية، وكذلك الحكومة السورية. وفي العراق، استهدفت القاعدة وقتلت،عناصر من الجيش والشرطة وعددا من السياسيين والصحفيين بالإضافة إلى السكان الشيعة. وفي الواقع شهدت الشهور الستة الماضية مذابح راح ضحيتها عائلات بأكملها بنيما كانوا نائمين أو مسافرين إلى أماكن مقدسة، في بعض الأحيان 5 وفي أحيان أخرى 12 من أفراد أسرة واحدة... الأخطاء الآن أصبحت واسعة وعميقة كالخنادق.

في الوقت الذي يحتج فيه السنة ويشعرون بأن حكومتهم قد خذلتهم، كذلك يحتج الشيعة ويشعرون بأن حكومتهم قد خذلتهم أيضا. ويستمر موت المدنيين كل يوم في هذا العام. كما يستمر يوميا تعرضهم للتفجيرات، إطلاق النار، الطعن، الخطف وقطع الرؤوس. ورغم كل هذا الموت والهمجية، إلا أنه هناك بصيص من الأمل والإنسانية، فقد قام الشرطي علي أيوب - أب لطفلين ويبلغ من العمر 34 عاما - بالإمساك بشخص انتحاري مضحيا بنفسه لحماية الحجاج الشيعة، في 18 كانون الأول/ديسمبر. دعه يمثل رمزا وأملا لم ينتهِ بعد.